19 - 05 - 2025

عجاجيات | انت فين يا سكر؟!

عجاجيات | انت فين يا سكر؟!

سكر طفل جميل كان يسكن فى درب المواهي حارة السقايين.. وهو ابن أسرة مسيحية اختارت أن تكون بجوار كنيسة الملاك غبريال رئيس الملائكة لتنال بركتها.. والده الأستاذ جوزيف صاحب محل زنكوغراف قرب شارع الشيخ ريحان أحد أشهر شوارع عابدين ووسط البلد والذى كان يضم وزارة الداخلية والجامعة الامريكية وقاعة ايوارت ومسرح الفنانين المتحدين، فضلا عن المجمع العلمى القيمة والقامة الثقافية والعلمية.. أما والدته أم سكر، فكانت سيدة جميلة رقيقة لم أعرف اسمها لأن الكل كان يناديها بـ (أم سكر)

أم سكر كانت تسكن فوق أمي رحمها الله وكان من عادتها أن تدق جرس بيتنا يوميا وتسأل أمي هل تحتاجين أي شيء من سوق الاتنين أشتريه لك يا خالتى أم عبده (الاسم الدارج لأمى وعبده هو أخى الأكبر عبدالحكيم رحمه الله) وكانت أمي تستقبلها بسعادة واضحة وترحيب حار، وتقول لها: والنبى يا أم سكر تجلسى تفطري معنا فترد أم سكر: والمسيح فطرت..

استنجدنا بجوزيف والد سكر فى ليلة شتوية قرب الفجر لإنقاذ أختى عندما داهمتها آلام الوضع إذ كان الوحيد فى المنزل الذى يمتلك سيارة تقف على بابه... لبى نداء الاستغاثة على الفور واصطحب أختى وأمى إلى المستشفى القبطى ورزقها الله بابنتها أمانى التى أصبحت اليوم دكتورة فى الاقتصاد من خريجات الجامعة الأمريكية.

استنجدت بنا أم سكر يوما وهى تصرخ حبيبى وروح قلبى سكر لا يستطيع التنفس لأنه ابتلع عملة معدنية.. بالصدفة البحتة تصادف وصول أخى اللواء عبدالسلام عجاج رحمه الله بسيارة شرطة السياحة التى كان من أبرز ضباطها.. لم يتردد لحظة واحدة فى حمل سكر والانطلاق به إلى مستشفى أحمد ماهر  وبعد أقل من ساعة عاد به وهو يطلق كلاكس السيارة بنغمة مبشرة، وسكر يضحك ويرفع يده لتحية أمه التى أطلقت زغرودة فرحا بعودة سكر سليما معافى.

ما أعرفه أن سكر التحق بكلية الطب، ومن المؤكد أنه اصبح اليوم طبيبا، أما أخبار أسرته فانقطعت، بعد أن تفرقت بنا السبل، وإن كنت أدعو الله أن تكون أم سكر وزوجها في أفضل حال، فقد كانوا نعم الجيران الذين جعلوا للحياة طعما حلوا وجعلوا الدنيا سكر، فى زمن كان الجيران يتبادلون فيه أطباق الحلوي وكعك العيد بالسكر...

تذكرت سكر وأم سكر فى هذه الأيام التى أصبح فيها الـ (سكر) هو الشغل الشاغل للمصريين، خاصة وأنه يمثل مع (تلقيمة) الشاى فاكهة الغلابة، والملاذ لهم من أوجاع اليوم، والوسيلة المتاحة للترحيب بالضيوف.

ورجائي لكل أبناء عابدين إذا عثروا على (سكر) أن يبلغوه سلامي وتحياتي وحبي لأسرته الكريمة.. وأدعو الله أن تكون أيام سكر وكل جيراننا الأعزاء في عابدين حلوة سكر.
--------------------------------
بقلم: عبدالغنى عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | إضراب عن الحكمة !